كنت أصلي الصلاة المفروضة في المنزل بمفردي، ومعي ابني طفل صغير يلهو، فأخذ يعبث بالكهرباء، فقمت بقطع الصلاة مخافة حصول الأذى له. فما حكم الشرع فيما فعلته؟ وهل أنا آثمة بذلك؟
تجيب أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية:
إن قطع العبادة الواجبة بعد الشروع فيها بغير عذر شرعي حرام؛ لأنه إبطال للعبادة، وقد ورد النهي عن ذلك في قوله تعالى: ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ .. [محمد: 33].

يقول الإمام النووي: «إذا دخل في صلاة مفروضة في أول وقتها حَرُمَ عليه قطعها من غير عذر، وإن كان الوقت واسعًا. هذا هو المذهب والمنصوص، وبه قطع الأصحاب... ودليل تحريم القطع قول الله تعالى: ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾..[محمد: 33]، وهو على عمومه إلا ما خرج بدليل».
وجاء في الروض مع حاشيته لابن قاسم الحنبلي: «(فيحرم خروجه من الفرض بلا عذر). قال المجد وغيرُه: لا نعلم فيه خلافًا. وقال في الفروع: من دخل في واجب موسع، كقضاء رمضان، والمكتوبة أول وقتها، وغير ذلك، كنذر مطلق، وكفارة -إن قلنا: يجوز تأخيرها- حرم خروجه منها بلا عذر وفاقًا».
أما قطع الصلاة المفروضة لعذر شرعي فمشروع في الجملة، ثم إن هذا العذر يدور بين الإباحة والاستحباب والوجوب.
وقد عدَّ الفقهاء من الأسباب التي يشرع بسببها قطع المفروضة: قتل حية ونحوها، وخوف ضياع مال له قيمة لنفسه أو لغيره، وإغاثة ملهوف، وتنبيه غافل أو نائم لخطر محقق لا يمكن تنبيهه بالتسبيح، وإنقاذ غريق، وخوف على صبي أو على نفسه، ونحو ذلك.

جاء في الدر المختار للحصكفي مع حاشية ابن عابدين: «(ويباح قطعها) أي: ولو كانت فرضًا (لنحو قتل حية) أي: بأن يقتلها بعمل كثير، (ونَدِّ دابة) أي هربها، وكذا لخوف ذئب على غنم (وفَوْرِ قِدْرٍ) الظاهر أنه مقيد بما بعده من فوات ما قيمته درهم؛ سواء كان ما في القِدْرِ له أو لغيره (وضياع ما قيمته درهم) قال في مجمع الروايات: لأن ما دونه حقير فلا يقطع الصلاة لأجله؛ لكن ذكر في المحيط -في الكفالة-
أن الحبس بالدانق يجوز، فقطع الصلاة أولى، وهذا في مال الغير، أما في ماله لا يقطع. والأصح جوازه فيهما. (ويستحب؛ لمدافعة الأخبثين) كذا في مواهب الرحمن ونور الإيضاح، لكنه مخالف لما قدمناه عن الخزائن وشرح المنية، من أنه إن كان ذلك يشغله -أي يشغل قلبه عن الصلاة وخشوعها- فأتمها؛ يأثم؛ لأدائها مع الكراهة التحريمية، ومقتضى هذا أن القطع واجب لا مستحب... (ويجب) الظاهر منه الافتراض (لإغاثة ملهوف) سواء استغاث بالمصلي أو لم يعين أحدًا في استغاثته إذا قدر على ذلك، ومثله خوف تردي أعمى في بئر مثلا إذا غلب على ظنه سقوطه (لا لنداء أحد أبويه... إلخ) 
المراد بهما الأصول وإن عَلَوا، وظاهر سياقه أنه نفي لوجوب الإجابة فيصدق مع بقاء الندب والجواز. قلت: لكن ظاهر الفتح أنه نفي للجواز. وبه صرح في الإمداد بقوله: أي: لا قطعها بنداء أحد أبويه من غير استغاثة وطلب إعانة؛ لأن قطعها لا يجوز إلا لضرورة. 
وقال الطحاوي: هذا في الفرض، وإن كان في نافلة إن علم أحد أبويه أنه في الصلاة وناداه؛ لا بأس أن لا يجيبه، وإن لم يعلم يجيبه».
وفي شرح المنهج للشيخ زكريا الأنصاري مع حاشية البجيرمي: «إنذار الأعمى ونحوه واجب، فإن لم يحصل الإنذار إلا بالكلام أو بالفعل المبطل وجب، وتبطل الصلاة به على الأصح».
وفي المغني لابن قدامة: «قال أحمد: إذا رأى صبيين يقتتلان، يتخوف أن يُلْقِي أحدُهما صاحبَه في البئر، فإنه يذهب إليهما فيخلصهما، ويعود في صلاته. وقال: إذا لزم رجل رجلا، فدخل المسجد، وقد أقيمت الصلاة، فلما سجد الإمام خرج الملزوم، فإن الذي كان يلزمه يخرج في طلبه. يعني: ويبتدئ الصلاة. وهكذا لو رأى حريقا يريد إطفاءه، أو غريقا يريد إنقاذه، خرج إليه، وابتدأ الصلاة. ولو انتهى الحريق إليه، أو السيل، وهو في الصلاة، ففر منه، بنى على صلاته، وأتمها صلاة خائف؛ لما ذكرنا من قبل. والله أعلم».
وأصل المسألة مبني على قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، ولا شك أن إنقاذ مَنْ لِحَيَاتِهِ حرمة مقدم على أداء الصلاة، ثم إنه يمكن الجمع بين المصلحتين بإنقاذ النفس ثم أداء الصلاة.
جاء في قواعد الأحكام في مصالح الأنام للإمام العز بن عبد السلام: الموازنة بين المصالح والمفاسد ما يلي: «المثال الثامن: تقديم إنقاذ الغرقى المعصومين على أداء الصلوات؛ لأن إنقاذ الغرقى المعصومين عند الله أفضل من أداء الصلاة، والجمع بين المصلحتين ممكن بأن ينقذ الغريق ثم يقضي الصلاة، ومعلوم أن ما فاته من مصلحة أداء الصلاة لا يقارب إنقاذ نفس مسلمة من الهلاك».
وعليه وفي واقعة السؤال: فإن ما قمتِ بفعله من قطع الصلاة لمنع حصول الأذى بطفلك واجب مقدم على أداء الصلاة المفروضة، ثم بعد ذلك تقومين بأداء الصلاة إن اتسع الوقت أو قضائها إن خرج وقتها، ولا إثم ولا حرج.
والله تعالى أعلم.